الذكاء الاصطناعي يتغلب على القدرة البشرية في الألعاب الذهنية
يشبه الذكاء الاصطناعي الذكاء البشري في قدرته على التعلم من خلال اللعب، ولكن يتفوق عليه في السرعة، حيث يستطيع الذكاء الاصطناعي اكتساب الخبرات التي يمكن أن يستغرق الإنسان سنوات لاكتسابها خلال يوم واحد، في مقالنا هذا، سنتطرق للحديث عن قدرة الذكاء الاصطناعي للتغلب على البشر في الألعاب التي تتطلب قدرات ذهنية عالية.
قدرة الذكاء الاصطناعي على الخداع في الألعاب الجماعية
في منتصف عام 2019، خاض برنامج الذكاء الاصطناعي “بلوريبوس” مباراة في لعبة البوكر “تكساس هولدم – نو ليميت” مع خمسة لاعبين محترفين، وتمكن “بلوريبوس” من التغلب عليهم جميعًا، مما يعتبر إنجازًا تاريخيًا حيث كانت هذه المرة الأولى التي يفوز فيها الذكاء الاصطناعي على أفضل اللاعبين المحترفين البشر في لعبة تتضمن ستة لاعبين.
تم تطوير “بلوريبوس” بالتعاون بين مختبر الذكاء الاصطناعي لشركة فيسبوك وجامعة “كارنيغي ميلون” الأمريكية.
تُعتبر لعبة البوكر اون لاين من أصعب الألعاب التي تحتاج لقدرات ذهنية، حيث تختلف عن الشطرنج بشكل كبير، ففيها تظل أوراق اللاعبين مغلقة، ولا يوجد حركة مثالية واحدة، ويُعتبر البوكر من فئة الألعاب التي تتضمن “معلومات ناقصة”، مما يجعل منها مماثلة لكثير من الوضعيات في الحياة الواقعية، ويُمكن استخدام تقنياتها في العديد من المجالات العملية مثل تسعير المنتجات وتوجيه السيارات ذاتية القيادة أثناء التنقل في ظروف الازدحام. تُجسد هذه الإنجازات أهمية كبيرة لتطور الذكاء الاصطناعي وإمكانياته في فهم وتحليل سياقات معقدة مثل لعبة البوكر.
العقل البشري والوقفة الأخيرة
تاريخ “ديب بلو” (Deep Blue) في العام 1997 يعد نقطة تحول في تاريخ الذكاء الاصطناعي، حيث تمكن الحاسوب من هزيمة بطل العالم في الشطرنج، غاري كسباروف، لتكون هذه اللحظة الأولى التي يتفوق فيها الحاسوب على العقل البشري في لعبة معقدة.
قبل هذه الحدث، كان كثير من الناس يعتقدون أنه لن يكون من الممكن للحاسوب هزيمة بطل العالم في الشطرنج. ومع ذلك، استطاع “ديب بلو” تحقيق هذا الإنجاز المذهل بفضل تطور التقنيات والبرمجيات التي أدت إلى زيادة قدرته على حساب المئات من الاحتمالات في وقت قصير جدًا.
تصدرت هذه اللحظة غلاف مجلة “نيوزويك” في عددها في مايو 1997 بعنوان “الوقفة الأخيرة للعقل البشري”، مما يبرز أهمية وتأثير هذا الحدث على تصوراتنا لقدرات الحاسوب مقابل العقل البشري.
نظام لهزيمة أبطال الألعاب الثقافية
بعد نجاح “ديب بلو” في هزيمة بطل العالم في الشطرنج، قررت شركة “آي بي إم” الاستمرار في تقدم الذكاء الاصطناعي بتطوير نظام آخر يستهدف هزيمة أبطال الألعاب الثقافية. في عام 2011، أحرز “واتسون”، الذكاء الاصطناعي الذي طورته “آي بي إم”، فوزاً ملحوظاً في الصحف عندما تمكن من هزيمة متسابقين في البرنامج التلفزيوني الشهير “جيباردي”، حيث كان أحد المتسابقين حامل الرقم القياسي في عدد المرات التي فاز بها في البرنامج.
استغرق تطوير “واتسون” لهذه المهمة خمس سنوات، منها أربع سنوات لتعلم اللغة الإنجليزية وسنة لقراءة واستيعاب محتويات الويكيبيديا وآلاف من الكتب الأخرى، وقد قامت شبكة “إم بي سي” السعودية بإعداد وعرض نسخة عربية من البرنامج الذي يحمل عنوان “المحك”.
جوجل ودورها لهزيمة العقل البشرية
في عام 2017، حقق برنامج “ألفاغو” الذي طورته شركة “ديب مايند” التابعة لشركة غوغل فوزًا استثنائيًا عندما تغلب على بطل العالم في لعبة “غو” الصينية، وهو “كي جي”. “غو” هي لعبة صينية قديمة ومعقدة للغاية، تشبه إلى حد كبير لعبة الشطرنج في التعقيد، ولكنها أصعب بكثير بالنسبة للحواسيب.
يتميز “غو” بتعقيد الاستراتيجيات والتفكير الذي يتطلبه، حيث تصل صعوبته إلى حد كبير بسبب عدد الاحتمالات الهائلة التي تنطوي عليها اللعبة. بينما يبلغ متوسط عدد النقلات في المباراة الواحدة حوالي 150، فإن عدد الاحتمالات الكلي في اللعبة يصل إلى 1 متبوعًا بـ 360 صفرًا، وهو رقم هائل يتجاوز عدد ذرات الكون المعروفة.
هذا الانتصار لبرنامج “ألفاغو” في لعبة “غو” يمثل إنجازًا كبيرًا في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث يظهر القدرة المتزايدة للحواسيب على التفوق في بيئات تتسم بالتعقيد والغموض مثل هذه الألعاب.
التدريب الذاتي
برنامج “ألفاغو” أظهر قدرات استثنائية في تفوقه على بطل العالم بعد تدريبه على مئات الآلاف من بيانات الألعاب التي خاضها البشر، ومع إصدار النسخة الجديدة “ألفاغو زيرو”، فإنها لم تعتمد على أية بيانات بشرية. بدلاً من ذلك، بعد تزويد البرنامج بقواعد اللعبة، درب نفسه بنفسه عبر لعب ملايين المباريات مع نفسه خلال بضعة أيام من التدريب، مما أدى إلى تحقيق فوز ساحق على النسخة السابقة “ألفاغو”.
هذا الإنجاز الرائع تم تحقيقه بفضل الجهود المبذولة من قبل فريق شركة “ديب مايند”. ويعلق ديفيد سيلفر، الباحث الرئيسي في ديب مايند والأستاذ في كلية لندن الجامعية، قائلاً: “من خلال عدم الاعتماد على البيانات البشرية أو الخبرة البشرية، فقد تمكنا بالفعل من تحطيم القيود التي كانت تحد من قدرة الذكاء الاصطناعي على استخدام المعرفة البشرية، لقد أصبح الذكاء الاصطناعي قادراً الآن على إنشاء المعرفة بنفسه من البداية”.
هل فعلًا نجح الذكاء الاصطناعي في التفوق على البشر؟
المقارنة بين الذكاء الاصطناعي والذكاء البشري تعتمد على السياق والمجال الذي يتم فيه النظر. في بعض المهام والمجالات، يمكن أن يظهر الذكاء الاصطناعي أداءً متفوقًا على البشر، بينما في مجالات أخرى قد يكون الأداء البشري لا يقارن به.
على سبيل المثال، في بعض الألعاب والتحديات الذهنية مثل الشطرنج ولعبة “غو”، قد يكون الذكاء الاصطناعي قادرًا على التفوق على اللاعبين البشر، كما حدث مع برنامج “ديب بلو” وبرنامج “ألفاغو”. وفي مجالات أخرى مثل تحليل البيانات الضخمة والتعلم الآلي، قد يكون الذكاء الاصطناعي قادرًا على معالجة البيانات بشكل أسرع وأكثر دقة من البشر.